بشير السنوار فنان من الأرض المحتلة.. واقعية الحياة الفلسطينية
التاريخ: 1423-2-19 هـ الموافق: 2002-05-01م الساعة: 00:00:00
في حديثنا عن تجربة الفنان بشير السنوار تذكر تجربة واقعية متطورة لفنان يعتبر من فناني الأرض المحتلة البارزين.. تجربة حاكت الواقع في بداياتها ، ثم تجاوزت مظاهره وصولا إلى العمق.. إلى الجوهر من منظور مادي ونفسي.. فماذا عن إبداعات «بشير السنوار»؟ ما هي مصادره الجمالية التعبيرية؟ ماذا عن موضوعاته؟ وأين يكمن التطور في تجربته الواقعية؟
هو فنان متمكن من أدواته التقنية ، لغته الجمالية من خط ولون وبناء جمالي وتعبيري.. مصور زيتي بكل ما تحمله كلمة تصوير من معنى.. غزير الانتاج أقام مجموعة معارض فردية في غزة وخان يونس ونابلس وشارك في المعارض الجماعية لفناني الأرض المحتلة،وصادرت له سلطات الاحتلال معرضه الشخصي الثالث في خان يونس.
في بداياته «مطلع الستينات» درس الفن دراسة أكاديمية وعمل على صقل أدواته التعبيرية، وتكشفت موهبته كرسام متمكن من لغته التشكيلية فصور من وحي الحياة اليومية الفلسطينية وعمل على محاكاتها بتفاصيلها الدقيقة، ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة عام 1965م كان من أوائل الفنانين الذين عبروا عن الأمل الذي زرعته الثورة في قلوب الجماهير وبصيغة واقعية رمزية. بعد نكسة حزيران واتساع مساحة الاحتلال، عاش معاناة الاحتلال ومختلف اشكال القمع التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق شعبنا العربي الفلسطيني ، القمع الذي وصل إلى الابداع الجمالي الفلسطيني كمحاصرة الفنانين ووضعهم تحت الاقامة الجبرية وزج بعضهم في السجون ومصادرة لوحاتهم وحرقها وهذا ما حدث لمعرضه الثالث في خان يونس والذي صادرته سلطات الاحتلال، ورغم مختلف الظروف الصعبة استمر «بشير السنوار» في تعبيره عن فلسطين موزعا إبداعاته على موضوع متنوعة ، فصور من وحي الحياة الريفية في فلسطين ممجداً الأرض والفلاح ومتفنناً بالطبيعة، بحقول القمح وبيارات البرتقال ، وفي هذه المجموعة من اللوحات قدم «بشير» الحياة اليومية للفلاح الفلسطيني مؤكداً على جمالية الفلاح من جهة وجمالية الأرض من جهة أخرى وبصيغة واقعية اقترب فيها من الفتوغرافية، لكن بقيت ذات الفنان مسكونة في تلك الشاعرين الجميلة النابعة من احاسيسه وعواطفه وانفعالاته والتي نراها محققة بكثير من العذوبة اللونية «التناغم والانسجام اللوني» وعبر الالوان التي استخدمها لصياغة مختلف عناصر الطبيعة ولصياغة الفلاح . وهكذا كشف عن العطاء الفلسطيني في صوره الجميلة، عطاء الأرض والإنسان والعلاقة الجمالية المتبادلة ولصياغة الفلاح. وهكذا كشف عن العطاء الفلسطيني في صوره الجميلة، عطاء الأرض والإنسان والعلاقة الجمالية المتبادلة..كل ذلك قدمه عبر مجموعة من اللوحات التي ترصد تفاصيل الحياة اليومية في الريف مع التأكيد على الزي الشعبي الفلسطيني ، أي على الجانب الفولكلوري الأصيل الذي أعطى لشخوصه ولموضوعاته خصوصية ، هي خصوصية الجمالية الفلسطينية . ثم صور مجموعة لوحات من وحي عذابات الفلسطيني في سجون الاحتلال، وفي هذه الاعمال لم يصور فقط التعذيب أو آثار التعذيب ولم يستغرق في المأساة الانسانية، لكنه بشر بتحطيم القيود.. بالخلاص .. بالمواجهة .وهنا نراه يعطي لواقعيته أبعاداً غير شاعرية، أي وشائج أخرى لم يستخدمها في لوحاته حول الريف الفلسطيني ، فقد اقترب في هذه المجموعة التي تعبر عن السجين الفلسطيني من الواقعية التعبيرية واستخدم عناصر الواقع استخداما تعبيريا ورمزيا.. وهكذا نرى واقعيته وهي تستعير رموزا وعلاقات جمالية وتعبيرية متنوعة، وذلك بما يتلاءم مع الموضوع الذي يصوره والمحتوى الذي يقدمه، والرؤية التي ينطلق منها، لذلك كله وجدنا في واقعيته ما هو متطور وفي اشكاله تلك العلاقات المتينة المرتبطة جدلياً بالمضامين التي يطرحها. وتابع «بشير السنوار» تعبيره الواقعي عن تغييرات الحياة الفلسطينية ، مؤكداً هذه المرة على الثورة الفلسطينية وعلى الانتفاضة في الأرض المحتلة، وعلى المجازر التي ارتكبها الصهاينة وخاصة مجازر صبرا وشاتيلا ، وهذا ما نراه في لوحاته «جدار في مخيم ـ في الميدان وحدك ـ شموخ ـ القتل على الهوية «صبرا وشاتيلا»» ـ سيستمر النضال «صبرا وشاتيلا» ـ ومروا من هنا «صبرا وشاتيلا ـ رسالة إلى الشهيد ـ مقاومة ـ الانتفاضة ـ القربان ـ الشهيد ـ الأرض … » وغيرها وغيرها من اللوحات التي انجزها في السنوات التي مضت من الثمانينات. ونرى في هذه اللوحات توظيفاً جديداً للعناصر الواقعية المرتبطة بالأحداث.. بالنضال والكفاح والمواجهة.. وبالآلام والاحزان والمجازر.. أي تصوير الواقع من جوانبه النضالية والمأساوية.. ويبقى الأمل السمة الأكثر حضوراً في لوحاته بما في ذلك تصويره لأكثر الأحداث مأساوية وفاجعاً، كلوحاته حول مجزرة صبرا وشاتيلا.. ففي لوحة تحت عنوان «مجزرة صبرا وشاتيلا ـ سيستمر النضال» يصور آثار المجزرة بمنتهى الدقة.. يرسم التفاصيل.. الدماء والشهداء والدماء الطاهرة وآثار التعذيب.. وفي المقدمة تطل إمرأة فلسطينية تحتضن طفلها وتهرب به ، ونقرأ في وجهها صورة مكثفة للألم والأمل.. ونرى في الطفل صورة للمستقبل .. إنه الطفل الرمز.. استمرارية الحياة الفلسطينية ، وبالتالي استمرارية الكفاح الفلسطيني رغم المجازر.. لذلك كله أطلق على اللوحة عنوان «مجزرة صبرا وشاتيلا ـ سيستمر النضال».
وفي تعبيره عن المقاومة ابتعد عن الصيغ المباشرة للموضوع. وقام بتوظيف عناصره توظيفاً رمزياً وخاصة الحصان الذي رمز به إلى الثورة وتأكيداً منه على هويته أحاطه بكوفية المقاتل المتميزة ، وهكذا نرى التنوع في الصياغة وفي الرموز والجماليات والتي تقود أخيراً إلى واقعية متطورة في تعبيرها عن الحياة الفلسطينية.