مفهوم الدراما وأثرها في التربية والتعليم
كلمة ( دراما ) إغريقية الأصل ، وهي من ( Drao ) أو (Dromenon) ؛ ومعناها : أنا أفعل ، أو الشيء المفعول.
والدراما ليست محصورة في النص الدرامي ؛ وإنما يمثل النص عنصراً من عناصرها فحسب ؛ والنص يمكن أن يكون مكتوباً أو مرتجلاً ؛ ذلك أن الدراما شكل فني يقوم على عنصر التمثيل ، ويستخدم فيه الإنسان وسائط الفكر ، والإحساس ، والصوت والصمت ، والحركة والسكون للتعبير عن حدث دي دلالة في الزمن الحاضر .
وقد تطور مفهوم ودور الدراما في العصر الحاضر ليخرجها من نطاقها التقليدي و هو المسرح إلى مجالات مختلفة لعل من أهمها التربية والتعليم ، فقد أدرك علماء النفس ورجال التربية أن الأطفال يؤدون بشكل تلقائي ،عملاً دراميا سموه ( اللعب التمثيلي ) Dramatic play الأمر الذي دفعهم إلى استخدام هذه الظاهرة في تعليم الأطفال وتربيتهم .
وقد أصبحت الدراما في الوقت الحاضر وسيلة فعالة من وسائل التربية والتعليم تستخدم نشاطات مختلفة محورها النشاط التمثيلي ليتوحد الطفل مع دور معين في موقف معين ؛ وذلك بالاعتماد على تجربة وقدرة الطفل الشخصية من أتجل هدف تعليمي محدد . (1)
ومع أن الدراما تشترك بخصائص معينة مع فن المسرح إلا أنها تختلف عنه في نواح متعددة ، منها :
1. الدراما التعليمية لا تعرض في معظم الأحيان على الجمهور؛ أي لا تأخذ الشكل المسرحي إلا في حالة المسرحية المدرسية .
2. في الدراما التعليمية يتوحد الطفل مع الدور الذي يمثله ، في حين يتوحد الطفل المشاهد في المسرح مع شخصية الممثل .
3. الدراما التعليمية ، وإن استخدمت في بعض الأحيان تقنيات المسرح : كالإضاءة ، والملابس ، والديكور ( بناء المنظر ) ؛ إلا أنها تعتمد أساساً على قدرات الطفل نفسه : الحركية ، والانفعالية ، والصوتية .
ويرى بيترسليد (2) أن تمثيل الأطفال على خشبة المسرح ( التقليدي ) يدمر ( دراما الطفل ) ؛ فالأطفال على المسرح التقليدي لا يعملون إلا على مجرد تقليد ما يطلق عليه اسم " المسرح " . وهم لن يستطيعوا النجاح في هذا الأمر وهذا ليس هو أسلوبهم في اللعب .
إن الأطفال بحاجة إلى مكان متسع ، ما أنهم ليسوا بحاجة إلى التعقيدات الفنية للشكل المسرحي ( المزعوم ) أضف إلى هذا ما يثيره المسرح من حساسية وقلق بسبب وجود المشاهدين ، وقد يكون سبباً في تنمية روح الادعاء وحب الظهور ، ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا أن المتفرجين ضرورة في المسرح التقليدي .
مصادر الدراما :
1. المنهاج المدرسي : للدراما دور تربوي من خلال المنهاج المدرسي ؛ والمهارات اللازم إضافتها للفكرة هي التعبير الجسماني : كالرقص ، حركات اليدين ، والإيماءات ، والتعبير بملامح الوجه ... ومن الممكن مثلاُ أن يرسم الطلاب دور شرطي المرور والإشارة الضوئية في تنظيم مرور السيارات وعبور المشاة على الورق ؛ ومن ثما يتحول هذا الرسم إلى تعبير حي . وقد يقوم الطفل ببعض الحركات في حصة النشيد مثلاُ ؛ ومن الممكن أن يقوم الطفل بهذه الحركات تلقائياً وبدون تدريب ؛ وبتنظيم هذه الأدوار يمكن إجراء التمثيل .
2. ومن مصادر الدراما الخلاقة أيضاً ما يلي :
أ- الدين : السيرة النبوية ، وسير الصحابة وأبطال المسلمين الصالحين .
ب- الظواهر الطبيعية : مثل العواصف ، والمطر ، وثوران البراكين ، وحركة المد والجزر .....
ج- التاريخ : الأحداث التاريخية ، لمعارك البطولية ، والمؤتمرات العالمية ... وغيرها
د- قصص الحيوانات : كقصة كليلة ودمن أو أي قصة تحكى للأطفال على ألسنة الحيوانات .
ه- تجارب الحياة المتنوعة : كمواقف البيع والشراء ، وصعود وسائل النقل ، والاصطفاف بالدور ، واحترام كبار السن ، والامتثال لإشارات المرور ، وغيرها .
و- الفن الشعبي .
ز- القيم الاجتماعية والإنسانية ؛ إذا أحسن اختيار هذه القيم وعرضها بأسلوب يناسب لغة الأطفال ومرحلة نموهم .(3)
ويرى بيترسليد (4) أن دراما الطفل تصلح لاكتشاف المداخل المثلى والصحيحة لأي موضوع من موضوعات الدراسة في المناهج المختلفة إذا أجدنا استخدامها .
مجالات الدراما :
تستعمل الدراما في المجالات التعليمية جميعها ويتدرب عليها الطلاب في داخل الصفوف ، وفي الأندية ، وفي أماكن تجمعهم .
ونص الدراما الخلاقة يمثل ( مسرحية الفطرة ) ، التي لا تخضع للقيود الصارمة التي تخضع لها المسرحيات المؤلفة ، وهي تنمي خيال الأطفال وصقل مواهبهم . والدراما الخلاقة تعد من وجهة نظر الأطفال أنفع وأمتع من القيام بأدوار في مسرحيات مؤلفة .
" والأطفال يستطيعون وضع المشاهد التمثيلية بأنفسهم ؛ ولكن كلما تزايدت التمثيليات المرتجلة المصقولة يحق للمدرس أن يتدخل قيلاُ وعلى المدرسين أن يتعلموا متى يقدمون على هذا الأمر " .(5)
وفي وسع الأطفال جميعهم أن يشاكوا في الدراما الخلاقة ؛ كأن يطرقوا بأقلامهم فوق مقاعدهم تعبيرا عن سقوط الأمطار مثلا ، أو عن حركة الأغصان ، أو أن يستخدموا الأدراج لإحداث أصوات الفرقعة ، أو الصفير للتعبير عن صوت الرياح . (6)
ميادين الدراما :
أ- الفصول الدراسية وهي مكان تنمية الأطفال ، وفيه تتفتح شخصية الطفل وتزدهر ويمكن عمل مسرحيات من القصص أو من التجارب مع أصالة في تصور الشخصيات والحوار . ومسرحيات الأطفال هذه ( الدراما الخلاقة ) تختلف عن المسرحيات المدرسية التي يدعى إليها الآباء والطلاب . (7)
ب- الأندية والمؤسسات الترويحية : تعد الأندية امتداداً للنشاط المدرسي ؛ إذ يختلف نوع النشاط المدرسي فقد يكون ترويحياً أو ثقافياً . ومن المفروض تهيئة عدد من المشرفين في حقول الدراما الخلاقة ؛ ويمكن أن تقام الحفلات في الساحات الشعبية أيضاً .
نماذج من الأنشطة التطبيقية المستخدمة في الدراما التعليمية : ( 8 )
أولاً : نموذج التمرين :
ومن هذا النموذج نشاط الألعاب ، وتمارين الحركة ، والتمثيل الإيمائي وتمارين الصوت والإلقاء ، وتمارين الخيال ، وتمارين التركيز ، وأهم خصائص هذا النموذج :
أ- زمن تطيقه يكون عادة قصيراً ومحدوداً .
ب- تعليمات تطبيقية تكون واضحة ومباشرة ويمليه عادة المعلم على الطلاب .
ج- أهدافه تكون واضحة ومحددة ، ويركز فيها بشكل عام على صقل وتنمية مهارة ما ؛ كالحركة أو الإلقاء .
د- يحتاج إلى قدرة كبيرة على التركيز .
ثانياً : نموذج اللعب الدرامي ( التمثيلي ) :
ومن أمثلة هذا النموذج نشاط تمثيل وتأليف القصة ، وأشكال التمثيل الارتجالي ، وأهم خصائص هذا النموذج أنه :
أ- يعتمد على تحديد المكان والموقف والأحداث المتسلسلة والشخصيات ذات السمات الواضحة .
ب- يكون في بعض الأحيان مرتجلا دون تحضير مسبق ويأخذ شكلا تطبيقيا مرنا .
ج- يعتمد على قدرة المشاركين من الأطفال ؛ بحيث لا يتدخل المعلم بصورة مباشرة .
د- يكشف عن المفاهيم التي تهم الأطفال بشكل خاص .
ثالثاً : نموذج المسرح :
ويتضمن هذا النموذج المسرحية المدرسية ، أو أي عرض لنشاط من أنشطة الدراما على جمهور صغير أو كبير ، ويتسم هذا النموذج بما يلي :
أ- يعتمد بالدرجة الأولى على وجود جمهور مشارك .
ب- يعتمد على القدرة على الاتصال بالجمهور ؛ وذلك بصقل مهارات الاتصال الدرامية : كالحركة ، والصوت ، والخطابة ، والإلقاء ، والنطق ، والمقدرة على إعادة بناء الشخصية المسرحية .
ج- يركز بالدرجة الأولى علىالتجربة النهائية للأطفال في الدراما التي تركز على الأداء المسرحي
أثر الدراما في ا لتربية والتعليم :
للدراما آثار جمة في ا لتربية والتعليم ، نذكر منها ما يلي :
1. " عندما تتناول الدراما مواقف مباشرة من حياتنا اليومية من حياتنا فإنها توسع مفهوم الشخصيات ومدلول المواقف وتبرز قيم التصرفات والأعمال ؛ وبذلك تحقق القدرة على الفهم ، وتزيد من الإحساس ؛ فتعاون الطفل على الاتزان عاطفيا ، وعلى التعلم بسهولة ، وعلى التعامل مع مجتمعه بنجاح " ( 9 )
2. من خلال العمل الجماعي الذي تتميز به يتعرف الإنسان إلى نفسه ، يتعلم قيما إيجابية : كالتعاون ، والثقة بالنفس ، ومعرفة حقوقه وواجباته .
3. يجرب الطفل – بوساطتها – مواقف الحياة المختلفة ويضع حلولا لها ، ويحاول التكيف معها .
4. تساعد الطفل على سلامة التعبير عما بداخله .
5. تنمي الخيال ، وتؤدي إلى الإبداع .
6. تنمي معلومات الطفل ، وتشبع حب الاستطلاع لديه .
7. تنمي الذوق الفني والجمالي ، والحس النقدي .
8. تنمي أعضاء الجسم ، والحواس ؛ من خلال الرقص الإيقاعي واللعب .
9. نثري لغة الطفل ، وتعالج عيوب النطق ، وتساعد على حسن إخراج الأصوات من مخارجها السليمة .
10. تشعر الإنسان بالمتعة والبهجة ، وتجعله أكثر قابلية للتعلم .( 10 )
11. تطور الدراما مهارة حل المشكلات من خلال التشجيع على وضع الفرضيات والتخمين والاكتشاف .
12. تنمي لدى الطفل القدرة على التمييز والانتماء لأفكار ثقافية يرضونها هم ويرضاها المجتمع .
13. تنمية مهارة ا لاستماع .
14. في التمثل الخلاق تعلم للمحاولة والخطأ ؛ وهذا يضع الأطفال في بيئتهم بجرأة أكثر ويعطيهم شعورا بالنجاح
15. تنمي أسلوب النقد ، والحوار، والإقناع المنطقي ، والاقتناع .
16. تعد " دراما الطفل من خير وسائل علاج الطفل الخجول " ، وتساعد على بناء شخصيته بصورة طبيعية متوازنة .
مواصفات معلم الدراما
معلم الدراما ركيزة من ركائز الدراما التعليمية ؛ ويتلخص دورها في خلق مجالات للتعليم وليس للتلقين ، واستعداده الدائم لمشاركة طلابه في عملية التعليم ؛ ذلك لترجمة موضوع أو فكرة النشاط الدرامي المراد التعرف إليها إ لى أحداث وأفعال ذات دلالات ومعانٍ لإعطائها بعداً إنسانياً مجسداً .
وفيما يلي أهم مواصفات وواجبات معلم الدراما : ( 11 )
1. مساعدة الطلاب في اختيار وتخطيط شكل النشاط الدرامي وتحديد هدفه .
2. المرونة ؛ وذلك بالتأقلم مع المستجدات التي قد يطرحها الطالب ، فيعدل من الخطة بما يتناسب مع هذه المستجدات .
3. العمل على توظيف " عناصر المسرح " في تطبيق النشاط الدرامي ، ومن هذه العناصر :
أ- التحديد : وذلك عن طريق تحديد موقف معين في النشاط الدرامي ، وتوجيه أنظار الطلاب إليه .
ب- التوتر : وهو ترقب الطالب في النشاط الدرامي نتائج ما يقومون به ، والإحساس بجوانب المشكلة المتعددة .
ج- المفارقة : هو الوعي للتباين بين حالات التعبير في النشاط الدرامي والتي تتمثل بحالات متنوعة ، مثل : الصمت والصوت ، الحركة والسكون ، الإضاءة والظلمة .
د- المفاجأة : وهو ما يتكشف للطلاب على غير توقع من خلال الحدث الدرامي .
4. يتصف معلم الدراما بالفطنة والهدوء والرقي وقوة الملاحظة ، ويعرف كيف يستشير الأطفال كلما
دعت الضرورة .
5. دور معلم الدراما ليس التدريس ؛ وإنما التوجيه والتغذية ، والإبداع ، والاستعداد الدائم لتقديم
المعاونة كلما لزم الأمر .
6. أن يكون محباً للطفل ، محباً لعمله ، مخلصاً له ، جاداً كل الجد في تنفيذه وإتقانه .
7. على معلم الدراما أن يعرف أن حالته النفسية يمكن أن تساعد كثيراً على هدوء الطفل واتزانه .
8. نشر روح التعاون بين الأطفال ، وتوخي مبدأ العدالة بينهم ، وتحاشي الدعاية الفردية المفرطة .
9. العمل على جذب الطلاب دائماً بوسائل متنوعة .
10. الاستماع باهتمام إلى النقد ، واقتراحات الطلاب .
11. من سمات معلم الدراما ، الملكة الإبداعية ، وسعة الخيال ، وجودة التعبير ، وموهبة تأليف
مسرحيات الأطفال .
12. الإلمام بأدب الأطفال .
13. فهم الأطفال ، احترامهم ، وتقديرهم ، ومحاولة إدراك وجهات نظرهم .
14. أن يعرف سيكولوجية الأطفال وسلوكياتهم التربوية ، ومراحل نموهم .
15. مواكبة تطور دراما الطفل .
16. الإلمام بإخراج مسرحيات الأطفال .
17. على المعلم تقويم النشاط الدرامي مع الطلاب ؛ وذلك بإثارة الأسئلة التي تكشف عن مدى تفاعل
الطلاب مع التجربة الدرامية ، ومدى إسهامها في التعرف إلى خبرات جديدة ، ومدى قدرتها
على الكشف عن مكنونات نفوس الطلاب وأحاسيسهم .
المراجع :
1. توظيف الدراما في التربية والتعليم ، ص11-12 ، أيضا : بنوراما حركة المسرح الأردني ، ص101
2. مقدمة في دراما الطفل
3. من محاضرة للأستاذ عبد المعطي نمر موسى ، " في مسرح الطفل والدراما الخلافة " في كلية غرناطة 1988 . انظر أيضا : مسرح الأطفال وينفرد وارد ، ص152
4. مقدمة في دراما الطفل ، ص124
5. مقدمة في دراما الطفل – بيترسيلد ، ص110
6. مقدمة في دراما الطفل – بيترسيلد ، ص114
7. مسرح الأطفال ، وينفرد وارد ، ص205-207
8. توظيف الدراما في التربية والتعليم ، ص33، 44 ، 53
9. دراسات في المسرح المصري ، ص9
10. محاضرات في مسرح الأطفال ، فهد البياري ، ص27