الدعاية الإنجليزية تعمل على تخدير العرب :
وقد كانت الدعاية الإنجليزية التي تبث في المقامات العربية السياسية، تعني خاصة بتخدير هذه المقامات التي كانت تقبل بسهولة على تناول تلك المخدرات الإنجليزية، وتحملها بدورها إلى غيرها آمنة مطمئنة ، مستخفة بالخطر المزعوم . كما كان بعض أولئك المخدرين بالتوجيه الأجنبي ينعتون من كانوا ينذرونهم ويحذرونهم ، بالتطرف والمبالغة ، ويرمونهم بالجهل بشئون السياسة .
ومن المحزن أن ذلك الموقف الشاذ الذي وقفه أولئك "العقلاء" بالنسبة لقضية فلسطين، يقفونه اليوم حيال تفاهم الخطر اليهودي – الاستعماري الذي أصبح يهدد الأقطار العربية المجاورة ، فلقد قال لي شخص منهم قبل نحو عامين في حديث لي معه : إن لدينا سعة من الوقت، فاليهود بعد ما ابتلعوا هذه اللقمة الضخمة من فلسطين لن يستطيعوا أن يمدوا يدهم إلى غيرها قبل أن يهضموها، وهذا يحتاج إلى عشرين عاماً أو خمسة عشر على الأقل، وهذه فسحة طويلة الأمد نتمكن خلالها من التأهب والاستعداد.. فبادرت إلى تحذيره مما في هذا الرأي من خطر، وقلت له إنك تقيس مع الفارق، وتحسب أن معدة اليهود مقتصرة على هذا المليون منهم المقيم بفلسطين ولم تحسب حساباً لمعدة اليهودية العالمية كلها المشتركة مع الدول الاستعمارية الكبرى التي تحاول ابتلاع الأقطار المجاورة برمتها .
فلسطين خط النار الأول :
ومما يدل على مدى الوهن في نفوس بعض المتصدين من العرب للسياسة والزعامة ما سمعته من أحدهم سنة 1920 وهو قوله:
"ليس من المصلحة أن يقف العرب من أهل فلسطين في وجه اليهودية العالمية لأن لليهود قوة عظيمة يمكننا استغلالها في سبيل تحقيق أهداف البلاد العربية، وأن المضطر يركب الأسنة، وأن العضو المريض الذي يستعصي شفاؤه يبتر لصالح الجسم!" . ومن المؤسف أن بعض الساسة كانوا متأثرين بمثل هذا الرأي في معالجة قضية فلسطين، ولم يدركوا أن فلسطين ليست إلا خط النار الأول في ميدان المعركة، ورأس الجسر للغزو اليهودي الاستعماري .
وبلغ من استخفاف بعض العرب بالخطر اليهودي، ومن وهنهم وخورهم خلال مقابلاتهم الرسمية للمسئولين من الإنجليز والأمريكيين بشأن قضية فلسطين، أنهم كانوا يقفون موقف الوسطاء المحايدين "المعدلين" ، المترددين الحائرين ، على حين كان زعماء اليهود في مثل تلك المقابلات يظهرون أقصى التطرف والشدة ، ومنتهى الجد والعزيمة .
كيف عالج ساسة العرب القضية :
3- إن ما أصاب العرب من غفلة عن حقيقة الخطر الداهم، ومن ضعف في الأخلاق ووهن في العزائم ، قد نأي بهم عن الجد والحزم في معالجة قضية فلسطين فعالجوها هازلين غير مصممين على عكس ما كان عليه خصومهم من الاندفاع والمضاء والتصميم . وأية قضية في الدنيا تصيب نجاحاً إذا لم يكن الجد والعزم سداها، والتصميم والفداء لحمها! لقد كانت المعالجة العربية السياسية والعسكرية لهذه القضية غاية في الهزال والإهمال، وكانت الاجتماعات تعقد لمجرد الكلام والخطب الضخمة الجوفاء إلا من التهديد والوعيد بإلقاء اليهود في البحر، وشرب القهوة العربية على شاطئ تل أبيب بعد النصر المبين.. وما إلى هذا من محاولات الاستغلال المحلي الذي كان يرمي إليه بعض الساسة تقوية لمراكزهم أو تدعيماً لمناصبهم، وقد خدعتهم وعود المستعمرين الذين كانوا يؤكدن لهم أن اليهود لن ينالوا أكثر من منطقة صغيرة (كانتون) على الشاطئ من تل أبيب إلى (عتليت) بالقرب من حيفا. كما كانوا يوهمونهم أن الإنجليز حاقدون على اليهود لنسفهم دوائر الحكومة المنتدبة، ولما أنزلوا بضباطهم وجنودهم من أذى وامتهان حتى أنهم شنقوا بعضهم وجلدوا آخرين .. إلخ . فبمثل هذه المخادعات والأماني الكواذب اغتر بعض ساسة العرب، وملك المستعمرين عليهم أمرهم وزينوا لهم سوء أعمالهم، حتى حملوهم على أبعاد العناصر المؤمنة المخلصة المستميتة عن ميدان معركة فلسطين بحجة أنها عناصر متطرفة ومغالية وبعيدة عن الحكمة التي يتطلبها المستعمرين .
تهاون العرب والمسلمين في أمر فلسطين :
4- لم يعن العالمان العربي والإسلامي العناية الكافية بقضية فلسطين منذ الاحتلال البريطاني فاضطر عرب فلسطين أن يضطلعوا وحدهم بعبء مجابهة اليهودية العالمية المعززة بدول الاستعمار ذات القوى الهائلة والموارد العظيمة : وبينما كان يهود العالم يغدقون على (الوكالة اليهودية) بفلسطين مئات الملايين من الجنيهات كان العرب والمسلمون أشحاء – إلا من رحم ربك، وقليل ما هم – لا يبذلون شيئاً يتناسب وما يبذله الخصوم، وقد غفلوا عن قوله تعالى : (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) .
ولهذه المناسبة أذكر حديثاً بلغني عن المستر كروسمان عضو مجلس العموم البريطاني في زيارته الأخيرة لمصر وهو أنه سأل أحد أصدقائه العرب حيث قابله في القاهرة : هل في الدين الإسلامي ما يمنع التعاون بين المسلمين؟ فأجابه صديقه بالنفي، وسأله عن السبب في هذا السؤال . فقال كروسمان : إذن لماذا لا يساعد بعضهم بعضاً ولا يبذلون شيئاً يذكر حتى للاجئين.!
مقارنة بين شح العرب وبذل اليهود :
لقد آلمني جداً هذا الحديث لأنه نكأ الجروح الدامية التي سببتها معركة فلسطين الأليمة لكل من اشترك فيها منذ بدئها حتى اليوم، وأذكرني ما كتبه المرحوم الأمير شكيب أرسلان عام 1930 حينما أرسلنا إليه نشرة لجنة إعانة المنكوبين في ثورة 1929 التي وقعت بين العرب واليهود بسبب عدوان اليهود على مكان البراق الشريف . وقد وقع في معارك هذه الثورة من العرب قتلى وجرحى كثيرون فاستنجدت لجنة الإعانة المذكورة بالعالمين العربي والإسلامي بالبرق والبريد طالبة العون لليتامى وعائلات الشهداء. وبعد مضي عام كامل أصدرت اللجنة نشرة بوارداتها ونفقاتها فكانت نحو ثلاثة عشر ألفاً من الجنيهات. وصادف أن وقعت في يد الأمير شكيب نشرة أخرى مماثلة صادرة عن لجنة يهودية في جنيف لمساعدة اليهود المصابين في الثورة نفسها فإذا بمقدار ما ورد لمساعدتهم أكثر من مليون جنيه.. فكتب مقالاً قارن فيه بين شح العرب والمسلمين من ناحية وبذل اليهود وسخائهم من ناحية أخرى .
العرب أضاعوا الفرصة باختلافهم :
5- تخاذل بعض الدول العربية واختلاف سياستها أثناء معركة فلسطين، فلم يقاتل العرب صفاً كأنهم بنيان مرصوص، وأضاعوا الفرصة بعدم تعاونهم على العدو الذي لم يكن قوياً يومئذ بل كانت القوى العربية أكثر منه عدداً وعدة، ولا صحة البتة لما يقال من أن القوى اليهودية كانت أكثر عدة وعديداً فقد أعلن بن غوريون رئيس الوزارة اليهودية ووزير الحربية حينئذ أن القوى اليهودية الضاربة لم تكن أكثر من عشرة آلاف (والقوى الضاربة في كل جيش هي المؤلفة من الجنود الذين يستعملون السلاح في الميدان) بينما كانت القوات الضاربة في الجيوش العربية أكثر جداً من هذا العدد . هذا بالإضافة إلى أن اليهود لم يكن لديهم عندئذ طائرات حربية، وإنما كان عندهم قليل من طائرات التدريب التي لا تصلح للحرب، كما لم يكن لديهم مدافع ميدان بل كانت مدافعهم من طراز (مورتر) وهي مدافع خفيفة . أما الجيوش العربية فقد كان لديها المدافع الثقيلة والطائرات القاذفات للقنابل وغيرها من المعدات والأسلحة . يؤيد هذا ما جاء في خطاب لرئيس الوزارة اليهودية بن غوريون نفسه في مجلس النواب اليهودي قال فيه : "نحن مدينون بنجاحنا في إقامة دولة "إسرائيل" بسبعة وتسعين ونصف في المائة للسياسة وأثنين ونصف في المائة فقط للحرب والجيش" . وهنالك تفصيلات عن مقدار قوي الجيوش العربية وأسلحتها حينئذ ، تؤكد أنها كانت تفوق كثيراً القوات اليهودية .
6- أعداد الإنجليز طول مدة انتدابهم على فلسطين ولا سيما أثناء الحرب، كافة الوسائل لتنظيم اليهود وتدريبهم وتسليحهم وتهيئتهم لتسليم فلسطين ، يقابل ذلك تجريدهم العرب من السلاح وإرهاقهم وإضعافهم ليعجزوا عن الصمود في وجه اليهود حينما يسلمونهم البلاد، وبالرغم من ذلك فقد هب عرب فلسطين للاستعداد واشتراء السلاح بأغلى الأثمان، وجابهوا اليهود بالقوة وهزموهم في معظم المعارك .
قرار مجلس الجامعة في عاليه :
وكان مجلس الجامعة العربية في اجتماعه المنعقد في عاليه في أكتوبر 1947 وقد وافق على تقرير الخبراء العسكريين بوضع عرب فلسطين في وضع مماثل لليهود من حيث تسليحهم وتدريبهم، وتحصين مدنهم وقراهم تحصيناً عسكرياً فنياً، وجعلهم الأساس في الدفاع عن بلادهم، لأنهم أعرف بمواقعها وطرقها ومسالكها، ولأنهم أشد تصميماً واستماتة في الذود عن أهليهم وأموالهم وديارهم بالإضافة إلى أنهم أقل نفقة من المتطوعين أو الجنود القادمين من خارج فلسطين ، كما قرر أن ترابط الجيوش النظامية للدول العربية على حدود فلسطين دون دخولها، لتقوية الفلسطينيين ولمساعدة المجاهدين عند الضرورة بالعتاد والضباط وبعض الوحدات الفنية .
مذكرة إنجليزية للسلطات العربية :
فلما رأي الإنجليز انتصار المجاهدين الفلسطينيين في المعارك على اليهود انتصاراً مبيناً، وخشوا تفاقم حرب العصابات التي يعرفون أهميتها وقوة تأثيرها ، سقط في أيديهم وسارعوا بتقديم مذكرة إلى السلطات العربية الرسمية حينئذ يعترضون فيها على تسليح الفلسطينيين وتدريبهم ويصفون ذلك بأنه عمل غير ودي Unfriendly Act كما أنهم حملوا بعض الدول العربية على إدخال جيوشها في الحرب، وقد أشرت سابقاً إلى ما ورد في بعض للشهادات أمام محكمة الثورة عن تشجيع الإنجليز للمرحوم النقراشي على إدخاله الجيش المصري في الحرب رغم تصميمه قبل ذلك على عدم دخولها ، وقد كان النقراشي سجل تحفظ مصر ورفضها الدخول في الحرب في دورة مجلس الجامعة في عاليه في أكتوبر عام 1947 بما نصه : (أريد أن يعلم الجميع أن مصر إذا كانت توافق على الاشتراك في هذه المظاهرة العسكرية – أي الحشد على الحدود – فإنها غير مستعدة قط للمضي أكثر من ذلك) .
وأخيراً استطاع الإنجليز بخداعهم وضغطهم، أن يؤثروا على بعض الدول العربية، ثم توالت الجهود إلى أن تقرر دخول جميع الجيوش العربية إلى فلسطين، كما استطاع الإنجليز أيضاً هدم الركن الأساسي في برنامج العرب للدفاع عن فلسطين ، بحرمان المجاهدين الفلسطينيين من السلاح وسائر وسائل الجهاد، وإقصاء الفلسطينيين جميعاً عن ميدان المعركة من الوجهتين العسكرية والسياسية، وبذلك أقصوا العنصر المجاهد المستميت الذي يدافع عن نفسه وأهله ودياره .
جنرال إنجليزي يدير المعارك الحربية :
7- أن الضغط الاستعماري الأجنبي على بعض الأقطار العربية أدى إلى وضع القيادة العسكرية الفعلية للجيوش العربية في يد الجنرال جلوب الإنجليزي الذي أدار دقة المعارك بما يوافق أهواء السياسة البريطانية الضالعة مع اليهود، وبدل الخطة العسكرية التي وضعها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية – في معسكر الزرقاء – بالإجماع في أوائل مايو سنة 1948، وسحب الجيش السوري المرابط على حدود المنطقة الشمالية من فلسطين بطريقة مكشوفة إلى جبهة سمخ حيث عرضه لخسائر فادحة ، كما غرر بالجيش العراقي ووجهه إلى مهاجمة مستعمرة – جيشر – التي كانت قاعدة من قواعد خط ابدن الحصين الذي أنشأه الإنجليز خلال الحرب لمقاومة الزحف الألماني، وعاق الجيش الأردني الذي كان معسكراً حول القدس عن الدفاع عنها بضعة أيام لإعطاء الفرصة لليهود لاحتلالها، ولو لا استبسال المجاهدين الفلسطينيين وسكان القدس في الذود عنها لوقعت كلها بيد اليهود، وقد منع جلوب الجيوش العربية من القتال الفعلي ، كما سحب الجيش الأردني من الرملة واللد، بعد أن نزع أسلحة المجاهدين الفلسطينيين مما أدى إلى سقوط منطقة الرملة واللد . وغير ذلك مما لا يتسع له المجال الآن (ولدينا وثائق بتفصيلات هذه المؤامرات) .
جلوب حال دون إنقاذ الفالوجة :
ومما هو جدير بالذكر هنا أنه لما اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في القاهرة في نوفمبر 1948 وشهد الاجتماع أكثر رؤساء وزارات الدول العربية، تم الاتفاق في ذلك الاجتماع على التعاون الأكيد فيما بينهم، وقد دعي إلى القاهرة أيضا رؤساء أركان حرب الجيوش العربية لبحث الموقف الحربي من جميع وجوهه وتم الاتفاق على خطة موحدة لاستئناف القتال ورد عدوان اليهود، وقرروا أن يجعلوا فاتحة أعمالهم قيام الجيوش العربية بعمل مشترك لفك الحصار عن "الفالوجة" وانتقل رؤساء أركان الحرب من القاهرة إلى "الزرقاء" في شرق الأردن حيث وضعوا خطة عسكرية مفصلة لتنفيذ الاتفاق ، وقد روي لي تلك الخطة أحد القادة من أركان الحرب الذي شهدوا تلك الاجتماعات ، وخلاصتها كما سجلتها في حينها، إرسال لواء عراقي – ألاي – بكامل معداته من منطقة نابلس إلى منطقة الخليل، وفوجين – أورطتين – سوريين مجهزين تجهيزاً كاملاً إلى منطقة الخليل أيضا للتعاون مع اللواء العراقي على القيام بهجوم على الفالوجة عن طريق بيت جبرين لمساعدة الجيش المصري على إنقاذ حاميتها المحصورة ، وقد تم تحديد وقت معين للقيام بتلك العملية .
وبعد ذل انتقل رؤساء أركان الحرب إلى عمان ، ولما أطلع على الخطة المغفور له الملك عبد الله وافق عليها كما وافق عليها أيضا رئيس الوزارة الأردنية ووزير الدفاع .
ويقول من روي لي الخبر : لقد سررنا جداً من الموافقة الإجماعية على تلك الخطة، وذهبنا إلى العشاء بدعوة من الحكومة الأردنية في بيت إسماعيل البلبيسي باشا في عمان . وإذا بالجنرال جلوب يقدم علينا ويسألنا عن الخطة . فلما عرفها اعترض عليها وقال : إن هذا مستحيل، فإن الجيش الأردني لن يسمح للقوات السورية ولا العراقية باجتياز أراضي شرق الأردن، ولا المناطق التي يحتلها في فلسطين . وزاد على ذلك قوله : إذا نفذنا هذه الخطة فإننا نخشى أن يقصف اليهود مدينة عمان بقنابل الطائرات .
وأصر جلوب على موقفه وتهديده وحال دون تنفيذ تلك الخطة وبالنتيجة أحبط كل تعاون بين الجيوش العربية .
وهكذا استطاع الاستعمار بقيادة جلوب وأعوانه أن يبدل نصر العرب إلى هزيمة ، وقوتهم إلى ضعف ، وعزتهم إلى ذلة وهوان. وثمة أمر آخر، وهو أن الجنرال كلايتون رئيس الاستخبارات البريطانية في الشرق العربي كان له تأثير عظيم في توجيه السياسة في بعض البلاد العربية ، كما أن الجنرال سبيرز الإنجليزي كان قد عهد إليه القيام بالدعاية لقضية فلسطين والقضايا العربية في إنجلترا. ومن سرد هذه الوقائع يظهر لكم كيف أصبح لهذا الثالوث الاستعماري المؤلف من الجنرالات الثلاثة (جلوب وكلايتون وسبيرز) التأثير العظيم في كارثة فلسطين .
8- أن كثيراً من الذين كانت في أيديهم مقاليد الأمور في البلاد العربية، لم يعالجوا مشكلة فلسطين بما تتطلبه من روح الجد والتصميم ، ولم تتوفر لهم الدراسات السياسية والعسكرية والتاريخية عن فلسطين، وعن مبلغ الخطر اليهودي عليها وعلى الأقطار العربية المجاورة لها، كما أن بعضهم ممن وكل إليهم أمر القيادة العسكرية قد برهنوا على إهمال فاضح في الشئون العسكرية ، وهذا بالإضافة إلى أنهم لم يدخلوا فلسطين، ولم يعرفوا شيئاً عن شئونها الجغرافية، ومواقعها العسكرية، ولم يكونوا على شيء من العلم بقوة اليهود العسكرية، ومواقعهم وتحصيناتهم، وخطوط دفاعهم . والجانب الوحيد الذي كانت لديه هذه الدراسات والمعلومات والرغبة الشديدة والتصميم على مقاومة اليهود، هو الفريق المجاهد المستميت من أهل فلسطين الذي أبعدته لسوء الحظ الدسائس الاستعمارية والضغط الأجنبي على بعض السلطات العربية، عن ميدان الجهاد. وقد كانت المشكلة الفلسطينية أعظم وأكبر بكثير من أن تعالج بالشكل الهزيل الذي عولجت به ، ولم تكن المعالجة متناسبة مع خطورة الداء ولا كان الدواء هو الناجع الشافي من وباء الصهيونية الوبيل